متاهه مشاعر بقلم نهى طلبه
المحتويات
لثوان عديدة يتأمل جمالها النقي والرقيق.. فقد التزم طاقم التجميل الذي اتفق معه بكل أوامره ولم يسرفوا في زينة وجهها.. بل اهتموا بإبراز روعة وجمال عينيها بالكحل العربي الأسود.. فاظهروا اتساع عينيها الفاتن وهام هو في براءة نظراتها التي التقت بنظراته للحظات قبل أن تخفض عينيها أرضا هربا من الشوق العاصف بعينيه.. وطليت شفتيها بطبقة رقيقة من أحمر الشفاه الوردي والذي أضاف براءة لشفتيها اللاتين كانت تمضغهما بتوتر فجذبا نظره كالمغناطيس وهو يحلم بامتلاكهما تلك الليلة.. وسرح بصره نحو خصلاتها الداكنة التي أنطلقت على كتفيها وظهرها في تعرجات خفيفة تناديه ليجري أنامله بها... وكاد أن يضمها لصدره پجنون لولا صوت نصر الذي أخرجه من هيامه
مبروك علي يا منى..
توردت وجنتيها بشدة تحت وطأة نظراته العاشقة والتي كانت تلتهم ملامحها الرقيقة حتى لكزه يزيد بخفة وهو يهمس له
خف شوية يا بني.. الناس عينيها عليكوا..
تنحنح حسن ليخرج نفسه من حالة الهيام التي أصابته وتحرك ليتأبط ذراع منى ويتحركان معا خارج الشقة وسط الزغاريد والأغاني حتى وصلا إلى الكوشة المعدة لهما في صدر خيمة الزفاف..
مبروك يا حبيبتي.. أنا مش مصدق نفسي..
حسن.. ايه اللي حصل مع ني...
وضع إصبعه على شفتيها
عايزة أفهم..
تفهمي ايه بس..
وأخفض عينيه قليلا
أنا عملت اللي كان المفروض يتعمل من زمان.. حتى أقل من اللي هي تستحقه على اللي عملته معاك.. بس للأسف في ظروف قيدتني..
قال كلمته الأخيرة بخفوت وهو يتذكر نظرات الألم في عيني شقيقه وهو يتابع ما كان يدور على مائدته هو ونيرة..
اللعڼة.. لولا نظراتك تلك يا مازن لنالت تلك المتكبرة ما تستحقه.. آه لو أعلم ماذا بها لتعشقه..
أفاق على لمسة بسيطة من منى وهي تسأله
ووالدك..
هز رأسه
ما تشغليش بالك يا منى.. أرجوك خلينا نعيش أحلى ليلة.. ده أنا ما صدقت..
أخفضت منى عينيها بخجل وهمست
عايزة أطمن..
ضغط على يدها برقة
اطمني.. طول ما أنا معاك اطمني..
حيرتها تلك النظرة التي تلمحها بعينيه مؤخرا.. خليط من الڠضب والتوق والذنب والشوق مع عاطفة أخرى لم تستطع تحديدها ولكن أناملها سجلتها بمهارة لتبدأ معالم وجهه في الظهور .. منذ أسبوع كامل..
تساءلت بحيرة إن كان يشتاق لها أو يفكر بها كما تتحرق هي شوقا حتى لسماع صوته الذي ضن به عليها فهو حتى لا يجيب على أي من مكالماتها..
لا تعرف بماذا تفسر ما يصدر منه نحوها.. فهو يقربها ليعود لإبعادها مرة أخرى ولكنه تلك المرة إلتزم بكلمته تماما وابتعد نهائيا ولم يحاول رؤيتها ولو مرة..
لقد صدمها في الواقع فهي لم تتخيل بعد تلك العواصف التي يثيرها بها أن يصمم على اتمام زواجه.. هل كان يتلاعب بها.. أم أنها كانت تسلية متاحة.. هل سيعود مرة أخرى ليغوص بها لبحار حبه.. أم أنه ابتعد تلك المرة إلى الأبد...
تكاد تجزم أنها لم تلمحه ولا مرة واحدة يرمق ريناد بتلك النظرة.. ولكن ماذا تعرف هي عن لحظاتهما المنفردة معا..
لم تعرف أن في تلك اللحظة بالذات كانت ريناد ترمق يزيد بتأمل وهي تسأله
مالك يا يزيد.. أنت متغير اليومين دول..
أنا متغير!!.. لا أبدا بيتهيألك... أنت عملت ايه في الفيلا.. خلصت ولا لسه..
شهقت بقوة
خلصت.. خلصت ايه.. أنت مش عارف أني طول الأسبوع ده كنت مشغولة بحفلة حسن صاحبك.. وبعد كل التعب والمجهود اللي عملته.. يطلع كان عامل الحفلة عشان يفركش خطوبته..
ازدرد
يزيد لعابه بتوتر
ايه اللي أنت بتقوليه ده.. هي مش نيرة رمت له الدبلة قدامك وقدام الناس كلها..
هتفت به
بحنق
يزيد.. ما تضحكش علي.. أنت عايز تفهمني أنه نيرة فسخت خطوبتها لحسن وبعد ساعة واحدة بس هو اتجوز بنت السواق.. وعمل لها الفرح اللوكال ده!..
ازداد توتر يزيد وهو يسألها
قصدك ايه..
قصدي أن كل حاجة كانت مترتبة.. لعبة وحسن لعبها صح.. وللأسف أنا ساعدته على كده من غير ما أعرف.. وأنت خدعتني عشان أساعده..
أنا..
أيوه أنت.. مش أنت اللي اتوسط له عشان أجهز له الحفلة وأنت عارف كويس قوي هو ناوي على ايه.. وبعد ده كله جاي تشهد على عقد جوازه من البنت اللي اسمها منى دي.. وجاي الوقت تسألني على تجهيزات بيتنا..
ابتسم يزيد بسخرية
آه.. قولت لي.. يعني المحاضرة دي كلها مش عشان نيرة.. لا عشان تفهميني أن تجهيزات البيت محلك سر.. وأنك عاوزة تأجلي الجواز طبعا.. بس يكون في علمك.. ميعاد الفرح مش هيتغير حتى لو البيت على البلاط..
هتفت ريناد بغيظ
يزيد.. أنا مش بتحجج.. ولا بهرب.. فعلا أنا متضايقة من الموقف اللي اتحطت فيه نيرة.. رغم أنها مش صاحبتي.. وأن علاقتنا مش قوية.. لكن اللي حصل لها النهارده ما يرضنيش أبدا.. وكونك جزء من المؤامرة دي.. بيضايقني أكتر..
تأملها للحظات.. وهو يدرك أن أفكارها القوية.. ونظرتها المباشرة للأمور والتي تعبر عنها بمنتهى الصراحة والوضوح هي ما جذبته إليها من البداية.. قد يفتقد ذلك الشغف المچنون الذي يستشعره مع علياء.. ولكنه واثق أنه سيشعر به مع ريناد بمجرد زواجه منها..
وضعت ريناد يدها على ذراعه وهي تسأله
في ايه يا يزيد. أنت برضوه سرحان!!
لا أبدا.. بالنسبة لموضوع حسن ونيرة له خلفيات كتير.. لكن تأكدي أنه ما ظلمهاش.. بالعكس.. هو كان كريم جدا معاها.. وبعدين الفرح اللوكال اللي مش عاجبك ده أنت اللي أصريت تيجي معايا..
هزت كتفها بدلال
أومال كنت عايزني أسيبك تيجي هنا لوحدك.. أنا كنت حاسة أنه في حاجة مخبيها علي وطلع عندي حق..
داعب أنفها بلطف
ماشي يا ست شيرلوك هولمز!..
ضحكت برقة وهي تتعلق بذراعه وتلصق نفسها به أكثر... بينما هو يراقبها بتأمل..
قد يرفض الرجل لمسة امرأة ما في حالة نفوره من تلك المرأة.. أو تأثره الشديد بها ولكن في الحالة الأخيرة فإن ما يرفضه حقا هي تلك الأحاسيس التي تفجرها تلك اللمسة..
لا يدري هل قرأ تلك العبارة في مكان ما أم أنها قفزت إلى ذهنه وهو يستشعر الهدوء التام بأعماقه وأنامل ريناد تتشبث بذراعه الآن..
وكان ذلك بعدما غرقا معا في عاطفة عاصفة بمكتبه ثم تمالك نفسه بأعجوبة ليتظاهر بالبرود ويقرر اصطحابها إلى المزرعة..
لم يوجه إليها أي كلمة طوال الطريق حتى اقتربا من الوصول إلى المزرعة.. فأوقف السيارة على جانب الطريق قبل بوابة المزرعة بعدة أمتار والټفت لها... فابتسمت له برقة زلزلت مشاعره.. وكادت أن ټحطم قناع التماسك الذي يرسمه على وجهه.. ولكنه قرر مواجهتها وانهاء الأمر قبل أن يسقطا معا إلى عمق لن يستطيعا الهروب منه..
أخبرها بهدوء يحاول استدعائه
علياء.. أنا.. أنا.. بعد شهر هيكون فرحي أنا وريناد..
بهتت ملامحها ولاحظ الدموع التي تجمعت في مآقيها على الفور
فرحك!!.. و.. و..
هزت رأسها بحيرة وهي عاجزة عن تكوين سؤال واضح.. فزفر هو بيأس
أنا آسف.. أنا عارف أني تجاوزت معاك كتير الأيام اللي فاتت.. حتى كلمة آسف ما لهاش معنى قصاد غلطي في حقك..
خبط رأسه في مقود السيارة پعنف وهو يهتف
علياء.. أنت عارفة كويس أنه صعب.. لا ده مستحيل مش صعب بس.. وجودك بأي شكل في حياتي.. علياء..
رفع رأسه ليلمح دموعها التي بدأت تجري على وجنتيها فهتف بتوسل
علياء.. من غير بكى..
استمرت دموعها بالانهمار
بس.. أنا.. أنا بحب
قاطعها صارخا
لا.. لا يا علياء.. أرجوك.. ما تصعبيش الموضوع علينا أكتر ما هو صعب..
تعالت شهقاتها واستمرت دموعها بالهطول وهي تستمع الحكم بإعدامها يخرج من بين شفتيه
علياء.. أنت مش عارفة ماما حصل لها ايه بعد ما عرفت بجواز بابا من والدتك.. أنا.. أنا أساسا خاطب ريناد من.. من زمان.. و..
قطع كلماته وهو يضرب المقود بقبضته وهو يرى دموعها وقد أغرقت وجهها..
فهتفت هي بتوسل من بين دموعها
وأنا ذنبي ايه في اللي حصل بين ماما وعمو عصام ووالدتك.. ليه كلكم مصرين أني أدفع التمن ده لوحدي..
عادت دموعها تجري بلا توقف وهي تهز رأسها پألم وتصرخ
ذنبي ايه
جذبها لصدره ليضمها بقوة
كفاية بكى.. أرجوك مش بتحمل دموعك..
تمسكت بكتفيه لتنخرط في نوبة بكاء قوية بينما هو أخذ يمسح على شعرها برقة.. يواسيها بصمت غير قادر على كسره.. فهي محقة بصړاخها عليه فالجميع يحملها ذنب لم تقترفه ولكنها حملته على كتفيها بصمت.. قد تكون أحد الضحايا ولكن والدته هي أكثر من تأذت وهو غير قادر على تجاوز ذلك..
ظل يضمها إلى صدره لفترة منتظرا أن تعود لهدوئها.. ولكن كما يحدث معه في كل مرة تكون فيها قريبة منه.. بدأت سيطرته على مشاعره ټخونه خاصة وهو مازال متأثرا بما حدث بينهما منذ قليل في مكتبه.. ووجد نفسه يبعد شعرها خلف أذنها ويجمعه على أحد كتفيها لترفع رأسها وتواجه عينيه ونظراتها تصرخ بحبها له..
ضمھا له
بحبك يا يزيد.. والله بحبك..
أبعدها عنه بقوة وهو يهز رأسه پعنف صارخا
جنوووووون.. اللي بيحصل ده جنون ولازم يوقف..
حاولت لمس ركبته بأناملها.. فصړخ بها كالملسوع
لا..
أبعدت يدها تضمها إلى صدرها وعادت شفتيها ترتجف بالبكاء.. فأخذ يتأملها لثوان غير قادر على اتخاذ أي قرار.. يدرك أنه لو لمسها مرة أخرى لن يتوقف.. لن يتوقف أبدا إلا بعد أن يمتلكها تماما..
أخيرا حرك العربية ليقف أمام بوابة المزرعة ويهمس لها وهو ينظر إلى الفراغ
احنا وصلنا يا علياء..
سألته بحيرة
وصلنا!!.. أنزل يعني..
أومأ لها موافقا.. فهمست من وسط دموعها
مع السلامة يا يزيد..
خرجت من السيارة وأغلقت الباب خلفها بهدوء فالټفت برأسه يتابعها بنظراته حتى دخلت إلى باب الفيلا وهمس لنفسه
الوداع يا عليائي.. مش هقدر أشوفك تاني.. يمكن.. يمكن الزمن يكون هو الحل...
أفاق على ضغط أنامل ريناد على ذراعه ليفاجئ أنه ضاع في ذكرياته مع عليائه بينما ريناد معلقة بذراعه..
كاد أن يبتسم ساخرا من نفسه.. فهو لا يستطيع الإنكار أنه يفتقدها بشدة.. ابتعاده عنها ومقاومة الذهاب لرؤيتها كان من أصعب ما قام به حياته.. يشعر بجسده يتألم وخلاياه تصرخ
متابعة القراءة