متاهه مشاعر بقلم نهى طلبه
المحتويات
على الانفجار ڠضبا وغيظا.. خاصة إن منى تكتفي برسائلها المسائية فقط.. ولا تجيب على أي من مكالماته.. لقد اتصل بها فوق الألف مرة في هذا الأسبوع.. وهي مازالت متمسكة بصمودها ومبدأها.. ما يعزيه قليلا أن عم نصر ترك العمل مع والده بالفعل وبدأ بالعمل على السيارة الأجرة التي ابتاعها من أجله..
رن جرس الهاتف الخاص بحسن بنغمة تمنى لو يسمعها منذ أسبوع كامل.. فالټفت بلهفة لم ټفت على نيرة ليلتقط الهاتف بسرعة.. وهو يتأمله بفرحة ويخبر نيرة بعجلة
رفعت حاجبا واحدا وهي ترد باستفزاز وقد أدركت هوية المتصل
ما ترد.. هو أنا منعتك!!
ارتبك قليلا
عميل!!.. والعميل بتخصص له نغمة حبيبي يا عاشق!!..
قصدك إيه يا نيرة
قصدي معروف.. وقصدك أنت كمان.. بس أنا مش هسكت.. ومش هستسلم.. باي يا خطيبي يا حبيبي..
الفصل السادس
وقف عامر أمام نافذة مكتبه وهو يستعيد الحوار الذي دار بينه وبين صبا منذ عدة أيام..
فريدة.. هل ما زالت تتذكره.. هل تحن إليه كما ېحترق شوقا إليها..
هل من الممكن أن تسامحه في يوم من الأيام!!..
لقد هدم كل ما بينهما في لحظة حماقة.. وفشل في اختبار تمسكه بها.. استمعت أذناه لكلمات انطلقت من بين شفتيها وغفل قلبه عن صړاخ روحها اليائس..
ابتسم ساخرا من نفسه.. كيف من الممكن أن تسامحه بينما هو غير قادر على مسامحة ذاته!!...
كان ذلك منذ أكثر من خمسة عشر عاما.. وكانوا قد بدأوا بتنفيذ فكرة حاتم العبقرية بتولي أعمال الديكورات للمجمعات السكنية التي تتولى شركتهما بنائها.. فتعاقدوا مع مكتب لأعمال الديكورات لتلك المهمة وهو المكتب الذي كانت تعمل به فريدة..
كان هو مايزال يتخبط جراء فقده لزوجته وحبيبة عمره ورفيقة دربه منذ شهور قليلة فقط.. كان تقريبا يعيش على هامش الحياة معتزلا الجميع وذاهلا عن كل ما حوله.. فحاول حاتم معه بقوة ليخرج من تلك الحالة فقد مرت شهور وهو لا يزال يعيش في صومعة أحزانه.. فما كان من حاتم صاحب التفكير العملي إلا أن أجبره على تولي تصميم المجمع السكني الجديد الذي تعاقدوا على انشائه مؤخرا وكذلك الإشراف على أعمال مكتب الديكورات حتى يتم تسليم الوحدات جاهزة تماما..
ألقى التحية بهدوء لينبهها لوجوده.. فانتفضت بشدة لتقف وتواجهه والفرشاة ما زالت بين أسنانها.. وسألته پعنف
نظر إلى مظهرها الصبياني وقال بلهجة متفكهة
أنا اللي مفروض أسأل السؤال ده.. أنت مين وبتعملي إيه هنا..
رفعت حاجبا متعجرفا
ومرسوما بدقة وهي تسأله بسخرية متبادلة
ليه بقى.. سيادتك تبقى مين..
أغضبته سخريتها فصاح پغضب
إحنا هنزر!!.. ردي على السؤال..
رفعت القبعة من فوق رأسها فتناثرت خصلات بلون سنابل القمح كلا.. بل أغمق قليلا خطفت نظراته على الفور فضيق عينيه وهو يتأملها بتقدير مختلف.. فلم تعد ذات هيئة صبيانية متشردة بعد الآن..
لم تخف نظراته عنها فابتسمت له بتحد مستفز.. لكنه فوت فرصة الشجار عليها عندما أخبرها بلهجة أقل ڠضبا
أنا المهندس عامر.. المهندس اللي صمم المجمع السكني ده..
كان يظن أنه سيبهرها بتلك الجملة إلا أنه فوجئ بهزة لامبالاة من كتفيها.. وهي تخبره بمنتهى الإستفزاز
تصميم سخيف جدا... على فكرة.. أنا مش فاهمة أنت فخور قوي كده ليه..
كانت تلك الجملة بمثابة شرارة البدء لعلاقة عاصفة استمرت عدة أشهر.. لم يهتما خلالها بفارق العمر فقد كانت فريدة فقط في التاسعة عشر.. بينما هو في بدايات أربعينياته...
كان أحيانا يخضع چنونها لحبه فيزدادا اقترابا.. وأحيانا أخرى تتمرد عليه وتهرب منه ومن عواطفه التي تحكمت به بطريقة لم يظنها ممكنة فقد كان يظن أنه سيعيش مع ذكرى حبه لزوجته الراحلة ما تبقى له من عمر ليفاجئ بقلبه يدق بقوة عاشقا لفريدة وچنونها..
شعر وقتها أن لحظة لقاءه بها كانت فاصلة في حياته.. وأن ما عاشه سابقا كان مجرد لحظات تمهيدية لعشقه لتلك المتمردة فضية العينين..
تزوجها أخيرا بعد معاناة لإقناعها بأنه لن يحجم من طموحها الفني.. وعاشا معا عدة شهور في سعادة مطلقة.. تخلت فيها فريدة طواعية عن عملها واكتفت بدراستها في كلية الفنون فقط.. وتناست طموحاتها الفنية من أجل عيون عامر ورغبة منها للتفرغ له ابتعدا عن الناس والواقع في عالم يضمهما فقط.. حتى كانت العودة المتوقعة للحياة الطبيعية والتي كانت بالطبع تضم ابنته نيرة..
نيرة.. الطفلة الصغيرة ذات السنوات الست والتي ترفض بشدة وجود بديل لأمها.. أو بالأحرى رفضت المرأة التي سړقت منها والدها.. وسلبت لبه..
فتفننت في افتعال المشاكل وإثارة المتاعب.. ونظرا لسن فريدة الصغيرة عجزت عن التعامل مع مشاكل ابنة زوج متمردة وحاقدة بشدة..
وفي وسط تلك المشاكل اختار عامر الهروب.. الهروب من اتخاذ موقف حاسم من ابنته المدللة.. فوجد في ذكرياته مع زوجته الراحلة متنفسا للهرب من حياته المتقلقلة.. فبدأ ينتابه شعور محرق بالذنب تجاه ذكراها.. وتعجب كيف استطاع نسيان حبه لها بتلك السرعة ليرتبط بعلاقة زواج سريعة مع فتاة تصغره سنا بعدد غير قليل من السنوات وغير قادرة على تولي مسئولية أمور بيته وابنته.. وبدأت تظهر المشاكل بينهما وهو يقارن بينها وبين زوجته الراحلة..
وازداد البعد والجفاء خاصة مع إعلان فريدة برغبتها في العودة إلى عملها فهي تشعر بالفراغ معظم الوقت خاصة مع ابتعاد عامر عنها مغمورا بشعوره الأحمق بالذنب.. وفي خضم تلك المشكلات ولدت صبا.. ذلك الملاك فضي العينين بخصلاتها الكستنائية الملتفة.. والتي فتنت والدها وسړقت قلبه وعقله معا.. فعاد لفريدة معتذرا طالبا لمغفرتها عن تصرفاته الحمقاء نحوها.. وسامحته فريدة مانحة إياه أعمق ما تملك من مشاعر.. وراغبة بفتح صفحة جديدة من حياتها معه وبالفعل هدأت المشكلات لفترة واضطرت فريدة لتناسي عودتها للعمل حتى تلازم صبا الصغيرة..
لكن وجود صبا لم يمر بسلام على نيرة.. فازداد تمردها وحقدها.. وامتد لټؤذي الصغيرة.. فكانت تصرخ بها حتى تجهش الفتاة پبكاء هيستيري.. أو تضربها أحيانا.. ورغم هذا لم يوجه عامر أي لوم أو عتاب إلى نيرة بل عاد للابتعاد والهروب وكأنه يعاقب نفسه وقلبه على تناسيه السريع لزوجته الراحلة.. فتعمق إحساسه بالذنب ورفض معاقبة نيرة وكأنه بذلك يعتذر لروح الحبيبة الراحلة عن عشقه الجارف للزوجة الحالية...
وبدأ عامر التنفيس عن إحساسه الوهمي بالذنب على فريدة التي استطاعت إختراق قضبان قلبه فكان يدأب على توجيه اللوم لها وإخبارها أنها أم غير صالحة لأي من ابنتيه..
كانت فريدة تحتمله في صبر معتمدة على رصيد حبه في قلبها.. فكانت طبيعتها العاطفية وصغر سنها تدفعها لمسامحته في كل مرة ېهينها أو يغضبها فيها لكن تفاقم الأمر مرة واحدة عندما ضړبت نيرة صبا الصغيرة حتى ظهرت علامات أصابعها واضحة على وجنتي الصغيرة .. كانت تبكي بهيسترية غير طبيعية.. فاضطرت فريدة إلى معاقبة نيرة بالضړب لأول مرة منذ زواجها من عامر... الذي ما أن علم هذا حتى توجه بسلسلة طويلة من الإهانات والصړاخ في وجه فريدة مخبرا اياها بقسۏة
أنا اللي غلطان اللي اتجوزت واحدة مهملة ومستهترة زيك.. لو كنت أم طبيعية زي أم نيرة الله يرحمها كنت عرفت تتعاملي مع البنت ومنعتيها أنها ټأذي أختها زي ما بتقولي.. لكن أنت كل دماغك في الرسم والألوان والعبط ده..
جمدتها الكلمات فأخبرته بهدوء مستفز
وايه اللي يجبرك أنك تستمر في الغلطة دي.. طلقني.. طلقني يا عامر..
أطلق الړصاصة الأخيرة في علاقتهما
خلاص يا فريدة لو هي مش فارقة معاكي كده.. أنت طالق.. طالق..
عاد من ذكرياته على تلك الكلمة.. التي أخرج بها فريدة من حياته مصرا على ابقاء ابنته صبا معه بعدما قررت فريدة الابتعاد عنه للأبد والرحيل الى فرنسا..
أخذ يتلمس الصورة بحنين جارف.. ثم أعادها إلى الدرج مرة أخرى وأغلق عليها..
جلست علياء على المقعد الخلفي للسيارة وهي تضع قبضتها بين أسنانها.. تلك العادة المصاحبة لها كلما شعرت بالقلق والحيرة.. وهو ما تشعر به الآن.. فقد أرسل عصام الغمراوي السيارة لها صباحا لتأتي بها من المزرعة.. ظنت في البداية أنه يريدها أن تتناول معهم الغذاء في الفيلا.. ولكن السائق أخبرها أنهما سيتوجهان إلى مقر مجموعة الغمراوي.. ظل القلق يعصف بها طوال المسافة الى المجموعة.. وانتابتها الحيرة مما يريده عصام منها..
هل أخبره يزيد بما حدث ليلة الحفل.. هل لهذا لم يأت هو أو يزيد إلى المزرعة طوال الأسبوع ولا حتى لتهنأتها بعيد ميلادها الذي مر منذ يومين ولم يتذكره أحدا سوى نيرة التي ملأت لها
كانت ترتجف من هذا الإعتقاد عندما وصلت إلى مقر المجموعة وهناك التقت بعصام الذي اصطحبها إلى مكتبه..
تعالي .. اقعدي يا عليا.. أخبارك ايه يا بنتي.. في أخبار عن نتيجة التنسيق..
ابتلعت علياء ريقها براحة وهي تتنهد بداخلها.. فيبدو أن يزيد لم يخبر والده بشيء.. فعصام يتحدث معها بطريقة طبيعية تماما..
عاد عصام ليحدثها
إيه يا عليا.. سرحانة في إيه.. ولا أنت زعلانة مني..
نفت علياء بقوة
لا أبدا يا عمو.. هزعل ليه..
توجه عصام إلى أحد أدراج مكتبه وأخرج منه علبتين من المخمل الأزرق.. ثم تحرك نحو علياء ليجلس بجوارها..
يمكن تكوني فاكرة أني نسيت عيد ميلادك..لا والله يا بنتي.. بس مشاغل الشغل بتاخد الواحد..
أنا مقدرة مشاغلك يا عمو.. ومش زعلانة..
قدم إليها إحدى العلبتين
ماشي يا ستي.. اتفضلي.. دي هدية عيد ميلادك.. ولو أنها متأخرة.. كل سنة وأنت طيبة يا عليا.. كبرت وبقيت عروسة زي القمر.. وخلاص هتدخلي الجامعة.. لو كانت مامتك عايشة..
تهدج صوته قليلا
الله يرحمها كانت بتحلم باليوم ده.. وبتتخيلك وأنت نازلة الصبح أول يوم..
وراجعة لها تحكي لها عن تجربتك في أول يوم ليكي في الكلية.. الله يرحمها.. أكيد هي حاسة بيكي دلوقت.. و...
لم يستطع عصام إكمال كلماته فقد خنقته غصة شديدة وهو يتذكر نادية الرقيقة الناعمة.. والتي رغم كل ما يقال عن ظروف زواجه بها من كونها أزمة
متابعة القراءة