متاهه مشاعر بقلم نهى طلبه
المحتويات
الماس وكأنها تخفي قبلة يزيد عن أعين والده...
فضل يزيد الوقوف كما هو مواجها للنافذة حتى لا يكشف عن ثورة جسده.. وفوران مشاعره..
سمع صوت والده
طبعا يا عليا.. أنت عارفة اتفاقي مع أعمامك.. أنهم يعطوني الوصاية القانونية عليك في كل شيء ما عدا الأمور المادية اللي أصروا تكون في إيديهم.. وأنا ما اعترضتش وقتها عشان أقدر أوفي كلمتي لمامتك أنك تكوني تحت رعايتي.. الوقتي بقى أنت وصلت 18 سنة.. لو عايزاني أكلم المحاميين عشان نحرك الأمور.. وأحاول أسترد أرضك اللي تحت سيطرة أهل والدك.. وخاصة أنهم مش أشقاء له.. فأنا تحت أمرك.. إيه رأيك..
أنا مش عارفة يا عمو.. بصراحة ما فكرتش في الموضوع ده قبل كده.. ممكن آخد شوية وقت عشان أفكر فيه..
أومأ موافقا وهو يتجه بنظره ليزيد
وأنت رأيك ايه يا يزيد..
طبعا لازم تحاول تدور على حقها.. ده شيء مفروغ منه..
بس.. بس.. أنا مش عايزة حاجة منهم.. الأرض دي باباالله يرحمه سابها وساب البلد كلها عشان يبعد هو وماما.. حتى ماما.. ما فكرتش في أي وقت أنها تطالب بالأرض دي..
بصي يا بنتي.. زي ما قال يزيد.. دي أرضك وده حقك.. فكري كويس.. وبعيد عن أي عواطف.. فكري بعقلك.. وأنا هنفذ لك أي قرار.. موافقة..
أومأت برأسها في موافقة صامتة.. فهز عصام رأسه راضيا
خير يا عمو
خير يا حبيبة عمو.. مش قلت لك أنك كبرت وبقيت عروسة.. وعروستنا الحلوة مش متقدم لها عريس واحد.. لا.. دول تلات عرسان.. وإيه.. من أعرق العائلات.. يظهر يا شقية أنك سحرت شباب النادي يوم الحفلة..
الفصل السابع
دوي صوت ريناد في الهاتف وهي تصرخ مذهولة
أسبوعين!!.. أسبوعين إيه يا يزيد.. مش ممكن طبعا ألحق أخلص أي حاجة في أسبوعين مش أقل من ست شهور..
إيه!!.. ست شهور!!.. احنا مخطوبين من سنة ونص.. سنة ونص تبديل وتغيير في كل ركن في البيت وياريت في الآخر بترضي عنه.. خلاص.. احنا نتجوز وابقي اعملي التباديل والتوافيق براحتك واحنا متجوزين..
سألته ريناد بهدوء وقد استشعرت غضبه
هو في إيه يا يزيد.. احنا كنا لسه مع بعض امبارح .. الكلام ده جديد علي..
أنا مش فاهم إيه اللي يزعلك في أننا نعجل من جوازنا..
أجابته بنزق
وإيه اللي جد عشان العجلة دي كلها..
ضړب سطح مكتبه بقبضة يده.. حتى شعر أنه على وشك تحطيمها..
ماذا يستطيع أن يخبرها.. أنه كان على وشك خيانتها.. ليس مرة بل اثنتين.. هذا على أرض الواقع.. أما عدد
مرات خيانته لها في خياله فهي لا تحصى.. ففراشته الراقصة لم تبرح خياله منذ قبلتهما في غرفته ليلة الحفلة.. يراقصها ويحتضنها.. ويقبلها كما تستحق وكما يشتهي هو.. فلم يتذوق ملوحة دموعها بأحلامه بل شهد شفتيها الذي لا يكتفي منه.. كل تلك الخيالات اڼفجرت بوجهه بل تذوب بين أحضانه.. تستسلم له في خضوع عاشقة وكأنها ولدت لتحيا بين ذراعيه..
نعم..
أنها خيالات وأوهام.. فوران هرمونات ورغبات جسد..
بالطبع ذلك ما يشعر به.. يجب أن يكون كذلك.. لا يهم ما شعر به منذ قليل وكلمات والده تخترق أذنيه كالخناجر السامة... كالأحجار المسننة التي تمزق تماسكه الهش وهو يلمحها تغطي بيدها فوق قبلته.. ووالده مستمر في تعداد مزايا كل زوج محتمل من الذين فتنوا بالفراشة الأثيرة..
هرب من سماع كلمات والده وخرج مندفعا من الغرفة قبل أن يخونه تماسكه وېصرخ به.. أن ولده خان أمانة اليتيمة المعلقة بأعناقهما.. أراده أن يمتنع عن ذكر كل اولئك الرجال الذين يرغبونها.. فذلك يزيد من تأجج رغبته بها.. ويضيف إلى جنونه جنون آخر.. جنون الامتلاك.. يريدها له وحده.. ولكنه لا يستطيع أن ينالها.. فأي وجود لها في حياته كفيل بتحطيم أعز الناس إلى قلبه.. أمه.. فيكفيها ما نالها من والده.. منذ سنوات.. وكانت السبب فيه نادية والدة علياء.. تلك السيدة الرقيقة التي عجز عن كراهيتها عندما أخبره والده عنها وعرفه بها.. مخبرا إياه أنه يدين لها بالكثير.. ولم يزد عن ذلك.. فقد كانت نادية في أقسى مراحل مرضها..
الذنب الذي شعر به لعجزه عن كراهية السيدة التي حطمت سعادة والدته وأمانها.. تحول إلى حقد على علياء.. ابنتها الصغيرة.. فعلى مدار سنوات كان يتفنن في إغاظتها والتضييق عليها.. حتى أفاقه مازن بتلميحاته المتكررة على حقيقة مشاعره وأن كل تصرفاته تعود إلى أنانيته الخالصة ورغبته التامة في اخفائها عن العيون لتكون له وحده لقد التقط عقله الباطن مدى هشاشتها ورقتها فتحول تلقائيا لحمايتها من الجميع وأولهم والدته.. ولكنه للأسف فشل في حمايتها من نفسه..
أعاده صوت ريناد إلى الواقع وهي تقول
البيت مش جاهز و..
قاطعها
شهر واحد يا ريناد.. هو شهر.. ما فيش يوم واحد زيادة..
حاولت ريناد مجادلته إلا أنه أنهى المكالمة بحسم
أنا هكلم ماما عشان تتفق مع خالتي.. وأنت حاولي تخلصي اللي تقدري عليه.. والباقي بعد الجواز.. ده آخر كلام عندي..
أغلق الخط وهو يزفر بحنق واضعا وجهه بين كفيه.. ليفاجئ ببعض شعيرات سوداء قد تعلقت بأصابعه..
اللعڼة.. أنها تنتمي إلى علياء..
قطع رنين الهاتف استرسال افكاره.. فرفعه إلى أذنه مرحبا بالمقاطعة.. ليجد حسن هو المتصل يطلب منه مقابلته في النادي.. لأمر هام...
ظلت علياء تستمع إلى ثرثرة نيرة بذهن غائب.. فعقلها قد توقف عن العمل في اللحظة التي أحاطها يزيد بذراعيه.. فهو له ذلك التأثير المخدر على حواسها وإدراكها.. أنها حتى لا تتذكر ما حدث بعدما أطلقها من بين ذراعيه..
كل ما يمر في ذهنها خيالات عن حوار ما.. كانت هي أحد أطرافه بل كانت تجيب عمها عصام أيضا على أسئلته.. الشيء الوحيد الواضح الذي يلمع في ذهنها هو صوت رأس يزيد يصطدم بزجاج النافذة.. بعدما أخبرها عصام عن خطابها المحتملين.. ثم اندفاعه خارج الغرفة متعذرا بأشياء لا تتذكرها..
ثم تكرار عصام لعروض الزواج.. ولكنها اعتذرت بسرعة مستخدمة دراستها كعذر صلب لتختفي خلفه..
قاطع شرودها صوت نيرة النزق
عليا.. أنت فين.. إيه سرحانة في إيه.. من لحظة ما دخلت العربية وأنت مش هنا..
أجابتها علياء بشرود
هااه.. لا أبدا ولا حاجة..
إزاي ولا حاجة!!... في إيه.. يزيد زعلك في حاجة.. أنت ما قولتليش إيه اللي حصل ليلة الحفلة..
تلعثمت عليا.. ولم تعرف بم تجيب نيرة.. فهي تريد الاحتفاظ لنفسها فقط بما يدور بينها وبين يزيد.. تشعر أنه شيء خاص جدا.. ولا تريد إطلاع أي شخص عليه حتى لو كانت نيرة.. حتى لو كانت تحتاج إلى مشورتها بشدة.. فهي لا تعلم كيف تتعامل معه بعد الآن.. فهو يخبرها بشفتيه أنه يعتبرها كأخت صغيرة.. ثم تجده بعد لحظات يقبلها بنفس الشفتين..
ماذا يريد منها.. وماذا يظن بها..
هي لا تعلم.. حتى رد فعله الغريب على كلام والده لا تعرف ماذا يعني..
هل تشعر بخيبة الأمل لأنه لم ېصرخ رافضا.. نعم..
ولكنها كانت تقريبا تتوقع هربه من المواجهة.. ولم يفاجئها ذلك.. أنها لا تريد إلا حبه فقط.. حتى أنها لم تفكر ماذا ستفعل لو بادلها مشاعرها بالفعل!.. وكأن أقصى أمانيها هي حبه فقط.. بل أنها وللعجب لم تفكر لحظة في إزاحة ريناد من طريقها.. لا تدري أتلك سذاجة منها.. أم أن قلبها يعلم أن المشكلة لا تكمن بريناد بل بيزيد نفسه...
أعادها صوت نيرة للواقع مرة أخرى.
عليا!.. في إيه.. لا!!.. أنت مش عجباني نهائي..
هزت علياء رأسها بقوة لتحاول تركيز أفكارها وأجابت نيرة بأول ما جاء على لسانها
أصل.. أصل عمو عصام بلغني أنه في ناس عايزة تتقدم وتخطبني..
صړخت نيرة بحبور
والله.. دي أخبار عظيمة..
التفتت علياء إليها بذهول
عظيمة!!.. عظيمة إزاي يا نيرة.. ويزيد..
أيوه طبعا عظيمة.. دي فرصة هايلة أنه يشوفك مع واحد تاني.. يشوف أنك ممكن تضيعي منه.. ساعتها هيحس بقيمتك..
هزت علياء رأسها برفض
قصدك إني أوافق وارتبط بشخص تاني فعلا!..
أومأت نيرة موافقة
أيوه طبعا..
أجابتها علياء برفض تام
بس دي كده تبقى خېانة.. أنا كده هخون الشخص ده وأنا برتبط به ومشاعري مع غيره وخاصة أني مش هكمل معاه.. وكمان بخون نفسي ومشاعري..
لوحت نيرة بيدها
عليا.. بلاش كلام الشعارات ده.. أهم حاجة ازاي توصلي للي أنت عايزاه..
خلاص يا نيرة.. الموضوع انتهى.. أنا بلغت عمو عصام.. أني مش بفكر في الجواز.. ومش هفكر فيه إلا بعد ما أخلص دراسة..
سكتت قليلا وهي تلمح علامات الامتعاض على وجه نيرة ثم سألتها
إحنا رايحيين فين.. ده مش طريق النادي..
ارتسمت ابتسامة جذلى على شفتي نيرة وهي تجيب
أيوه.. إحنا رايحيين البوتيك اللي بتشتغل فيه منى..
اتسعت عينا علياء پخوف
ليه.. بلاش يا نيرة..
تركت عينا نيرة الطريق قليلا لتلتفت لعليا وقد ارتسمت على ملامحها كل معالم الكراهية
أيوه.. أيوه يا عليا.. لازم أنهي الموضوع ده النهارده.. والليلة بنت السواق هتكون مشرفة في السچن..
شهقت عليا
إيه!!.. السچن!!.. نيرة.. الموضوع ما يوصلش للدرجة دي.. أنت ناوية على إيه..
ضغطت نيرة على أسنانها بغيظ
يعني إيه ما يوصلش للدرجة دي.. هي اللي بدأت.. وبتحاول تسرق مني حسن.. خلاص يبقى هزت نيرة كتفيها بلامبالاة
أبدا.. أنا الفترة اللي فاتت كنت بروح البوتيك يوميا.. بس في وقت هي
بتكون مش موجودة فيه.. بقيت زبونة... في آي بي... النهارده بقى أما نروح هقول أن الولاعة وعلبة السجاير الدهب بتوعي ضاعوا.. أنت عليك أنك تحطيهم في شنطتها من غير ما تاخد بالها.. وهوووبا... هتشرف الهانم في السچن.. بس عشان تتعلم أنها ما تبصش لفوق...
برقت عينا عليا بړعب وهي تستوعب ما قالته نيرة وما تنوي عليه بينما ارتسمت على شفتي نيرة ابتسامة متشفية وهي تتخيل منى بالفعل خلف القضبان..
طرق حسن غرفة جدته باحترام.. وانتظر حتى سمحت له بالدخول..
دخل غرفتها ليجدها تجلس على أريكتها المريحة الموجودة بمواجهة فراشها.. وقد وضعت أمامها مائدة صغيرة وعليها المصحف الخاص بها.. وكتاب المأثورات وأذكار الصباح والمساء.. بينما أمسكت بين أصابعها مسبحة طويلة وأخذت تسبح في صمت..
تنحنح حسن.. حتى يلفت انتباهها لوجوده وحياها بهدوء
صباح الخير يا جدتي..
ابتسمت له
صباح الخير يا روح جدتك روح..
وضحكا معا لتحيتها المعتادة له.. ف روح هو اسمها...
أشارت له
تعالى أقعد جنب روح
متابعة القراءة