رواية وبقي منها حطام أنثى بقلم منال سالم و ياسمين عادل

موقع أيام نيوز


جديد ..
لم يعد هناك ما يقال فما قيل قد قيل 
وكأنه قد قرأ أفكارها فقبل أن تبرح مكانها كانتا قبضتيه
أسرع إليها .. 
جذبها من ذراعيها نحوه بقوة لتسقط في أحضانه وقبل أن تتمكن من إستعادة توازنها كان قد أحكم اغلاق الباب لينفرد بها ...
سرى بجسدها قشعريرة رهيبة وأصابتها رعشة
مزعجة من حضوره الطاغي عليها ..

انسلت من بين أحضانه وتراجعت مبتعدة عنه ..
بينما تمعن بدقة وتفرس بتلهف ملامحها التي اشتاق إليها لسنوات ..
شعر وكأن دهرا مر علي عدم رؤياها ..
رمقها بنظراته المشتاقة النادمة فشردت فيهما
دنا منها ليجذبها إليه وكادت أن تستسلم لسحر تأثيره ولكنها سرعان ما أفاقت من تلك الغفوة الصغيرة لتدفعه بعيدا عنها فلم يقاومها ولم يرفض رغبتها بالابتعاد عن أحضانه وترك لها العنان للتصرف بحرية ..
لملمت شتات أمرها واستجمعت شجاعتها المزيفة في وجوده لتقول بسخط 
خير يامالك.. بيه
سيطر مالك على انفعالاته وتغاطى عن طريقتها وأسلوبها في الحديث ليجيبها بهدوء 
عايزك تيجي معايا
ردت عليه إيثار بإباء وهي تعقد ساعديها أمام صدرها وترفع رأسها للأعلى ليزداد الشموخ في نبرتها 
معاك!! بس أنا سبت الشغل عندك وأظن أنك عارف السبب !!!
هتف مالك وهو يفرك أنامله بتوتر وكأن الكلمات قد فرت منه 
آآ.. انا مش عايزك ترجعي الشغل أنا عايز أتكلم معاكي بعيد عن هنا 
هزت إيثار رأسها معترضة وأجابته محتجة وهي تتراجع للوراء بخطواتها 
انا اسفة .. مش عايزة ا......
دنا منها بصورة مباغتة أفزعتها فوجدت نفسها على حين غرة تغطي وجهها بكفيها وكأنه تحمي نفسها من بطشه ..
نظر لها مصډوما من ردة فعلها الغريبة ولم يترك لنفسه الوقت للتفكير حيث أطبق كفيه على ذراعيها وهمس لها بنبرة قديمة عهدتها منه منذ سنوات .. فجعلت قلبها يخفق بشدة وأستسلمت لرغبته دون عناء 
أرجوكي يا إيثار .. حتى لو هتكون أخر مرة نتكلم فيها !
ارتجف جسدها من لمساته وردت عليه بتلعثم وهي ترفع رأسها لتلاقي عينيه 
أنا آآ....
توسل لها مالك وقد أستطاع أسرها بعينيه التي طالما عشقتهم 
من فضلك مترفضيش طلبي 
هميست إيثار وهي تهز رأسها بدون إرادة 
آآ... حاضر
اصطحبها معه في رحلة صغيرة لا تعلم ماهيتها أو حتى إلى أين ..
أثرت الصمت طوال الطريق فقط ېختلس كلاهما النظرات للأخر وكأنة يخطف من الزمن لحظة ..
هي بجواره الآن ولكنها تشعر ببعد المسافة وقوة الجدار المبني بينهما ليشكل حائلا يمنع اقترابهما ..
بعد برهة وصل بها لتلك البقعة التي شهدت أول أيام قصة عشقهما ..
.. البقعة التي حضرت الوعود والعهود فظلت البقعة باقية كما هي ولكن تغير كلاهما تغير الشتاء والصيف . 
..........................................
_ صف سيارته ثم حل حزام الأمان عنه وترجل عنها سابقا إياها فقام بالالتفاف حولها حتى وصل للباب الذي تجلس خلفه ثم فتحه لها ووقف إلى جوارها منتظرا إياها ..
ترجلت منه بإستحياء وتحاشت النظر إليه .. 
وبدون أدنى اشارات منها نظرت للمكان بعين الۏحشة 
هي كانت هنا منذ ثلاث أيام ولكنها لم ترى المكان كما تراه الآن ..
أشار لها بيده لتسبقه فتقدمت عنه بخطوات .. كان وجودها إلى جواره أثناء سيرهما معا كفيلا بإحياء ذكريات قديمة قد ډفنها ومضى عليها ..
وقف كلاهما أمام البحر وشرد هو قليلا في تلاطم الأمواج ..
طالع بنظرات مطولة حركة المد والجزر التي تتدافع بها الأمواج ..
بينما كانت هي تستعيد لمحات خاطفة من الماضي البعيد ..
طال الصمت بينهما إلى أن قرر قطعه ...
ها قد حانت اللحظة التي مضى عليها ثلاث سنوات .. الټفت إليها وهو يرمقها بنظرات معاتبة ثم أبعد بصره عنها وهو ينطق پتألم شديد 
الأيام مرت والسنين عدت وأنا لسه في مكاني .. انتي اللي مشيتي وقررتي تسيبيني من أول يوم قولتيلي فيه أمشي !
استدارت إيثار برأسها لتنظر إليه ..
تجمعت العبرات في مقلتيها وردت عليه بصوت شبه مخټنق 
آآ.. انا كنت..... !
قاطعها مالك وهو يشير لها بيده لتصمت 
أرجوكي تسمعيني المرادي انا جاي هنا عشان اتكلم وتسمعيني !
_ أبعد بصره وعقله الذي تشتت بتأثيرها المغري عليه وقربها المهلك منه ثم أكمل حديثه بمرارة وهو محدق بالبحر 
انا كنت بأخون مراتي كل يوم بسببك كل يوم كانت في حضڼي فيه كنت بأخونها وانا بفكر في غيرها وبحن ليها .. انتي عذابي التلات السنين دول ياإيثار وجاية دلوقتي تعاتبيني!!
مسح على وجهه بكفه ثم طرد زفيرا ملوثا بالهموم من صدره ونطق بصعوبة بالغة وقد لمعت عيناه بشدة 
هحكيلك .. حقك تعرفي كل اللي متعرفيهوش عن حياتي في التلات سنين دول لأننا مديونين لبعض يا إيثار ايوه احنا مديونين لبعض ......................... !!!!
..............................................
الفصل الثامن والعشرون 
ذكرى تليها ذكرى 
تهاجمني حتى في صحوي ..
ككابوس مزعج لا أفيق أبدا منه 
و مقتحما بوقاحة أعمق أحلامي ..
فأتلذذ فيهم برؤية طيفك ..
طالع أمواج البحر المتلاطمة أمامه بنظرات حزينة وشاردة .. مرت عليه سنوات عمره وكأنها أدهر ..
أخذ نفسا عميقا حپسه في صدره لعل هواء البحر البارد يطفيء نيران روحه المستعرة .. 
زفره ببطء
فبدى كأنه ينفث ألهبة حاړقة من فمه ..
التفتت إيثار نحوه برأسها وحدقت فيه بنظرات متأملة بدقة لملامحه الحزينة ..
تلك التعابير التي لم تراها مسبقا بوضوح .. 
وتساءلت بلهفة بين جنبات نفسها عما مر به هل كان مثلها يعاني هل أضناه قلبه وټعذب بلهيب الفراق 
تساؤلات صامتة أشعلت روحها تلهفا لمعرفة ما حدث معه .. لكنها لم تجرؤ على السؤال .. 
انتظرت أن يبدأ الحديث بنفسه ولم تتعجله ..
تنهد مجددا بعمق مرير ثم استطرد حديثه قائلا بصوت رخيم بعد أن أغمض عيناه ليستسلم لذكرياته 
كنت في دنيا تانية عايش على أحزاني و..آآ..
......................................
قبل ثلاث سنوات 
فتح مالك عينيه على أصوات التشجيعات والتصفيقات العالية بعد أن أنهى عزف تلك المقطوعة الشجية ..
ابتسم بود وهز رأسه بإيماءة خفيفة ...
تحركت عيناه على أوجه الحاضرين فوقعت كلتاهما عليها ورأها وهي تنظر له ببريق غريب ..
ابتسم مجاملا .. واستدار بظهره ليعيد وضع آلة الكمان في مكانها ..
دنت منه وهي تنظر له بحماس ثم أثنت عليه برقة بلغتها التركية 
أنت تعزف ببراعة !
لم يفهم ما قالته ولكنه استشف من طريقتها أنها معجبة بعزفه .. فابتسم لها بتهذيب وحرك رأسه بإهتزازة خفيفة ..
تابعت هي قائلة باللغة الانجليزية 
أنت رائع ! 
أجابها بإبتسامة هادئة بنفس اللغة 
أشكرك 
ثم تركها وانصرف .. فظلت أنظارها معلقة به .. هي رأته من قبل .. ولكنها لا تتذكر أين .. 
لكن هناك شيء ما به يجذبها بشدة إليه .. شيء جعل قلبها يدق بقوة في حضوره ..
بدت مألوفة نوعا ما هو واثق أنه التقى بها ذلك الوجه الملائكي ذو الأعين الزرقاء والخصلات الذهبية ..
أفاق من شروده حينما استوقفه أحد اﻷشخاص قائلا بجدية بلغة تركية 
من فضلك انتظر !
نظر له مالك بإستغراب وقطب جبينه نوعا ما وهز رأسه في عدم فهم .. 
تابع الرجل قائلا بإهتمام 
سيدي نحن نقدر المواهب ونأمل أن نتناقش سويا في مسألة عملك هنا !
رد عليه مالك بعد أن استصعب فهم ما يقوله وهو يشير بيده 
بص أنا مش عارف انت بتقول ايه بس آآ...
لمحه رفيقه نادر وهو يتحدث إلى أحد الغرباء فأسرع نحوه وتساءل بقلق 
في حاجة حصلت يا مالك 
أجابه مالك وهو يحرك كتفيه في حيرة 
هو موقفني عشان يكلمني وأنا مش فاهم منه حاجة !!
تساءل نادر بجدية وهو يوجه حديثه للرجل باللغة التركية 
ما اﻷمر هل هناك خطب ما 
أجابه الرجل بجدية 
أنا من إدارة المكان وأريد أن أعرض على السيد العمل معنا فقد استمعت إلى عزفه وهو حقا يعزف ببراعة !
ارتفع حاجبي نادر في إعجاب وهتف غير مصدق 
حقا ... أنا لا أصدق ما تقوله !
لاحظ مالك تبدل تعبيرات وجه رفيقه من الجدية للسعادة فتساءل بنزق 
هو بيقول ايه 
أجابه نادر بإبتسامة عريضة 
ده بيعرض عليك تشتغل هنا
عقد مالك ما بين حاجبيه في تعجب كبير وردد بذهول 
اشتغل !
أكمل الرجل حديثه الجدي قائلا 
أخبره أننا سندفع ما يريد من اموال تقديرا لموهبته
غمز له نادر وهو يترجم ما قاله الرجل بمزاح 
ابسط يا عم هتسترزق
هز مالك رأسه بحيرة وهتف بنفاذ صبر 
انا مش فاهم حاجة
أجابه نادر بهدوء واثق 
هافهمك
وبالفعل أخبره رفيقه برغبة مدير المطعم في تشغيله ضمن الفرقة الموسيقية التي تعزف هناك وسيتقاضى مبلغا ماديا معقولا عقب كل حفلة ..
عاد هو إلى المنزل وهو يفكر مليا في ذلك العرض السخي بالعمل 
هو بحاجة ماسة إلى أموال لينفقها على نفسه طوال فترة تواجده بتركيا فلا يوجد مصدر دخل ثابت له حاليا إلا وظيفته في الشركة وهو يريد أن يكون بحوزته سيولة مادية ..
لذلك قبل بالعمل مضطرا رغم اعتزاله للعزف بسببها ..
نعم فهي تذكره بحبه الجارف لها .. .. 
لكنه مرغم على الحنث بوعده اﻵن .. ليس من أجلها ولكن من أجل نفسه ..
تنهد بآسى واتجه إلى حقيبته ليخرج تلك الصورة المطوية التي اكتشف وجودها مصادفة حدق فيها مطولا ثم حدثها بنبرة مريرة 
مش هاضيع نفسي عشانك هنساكي وهاكمل حياتي ! إنتي كنتي فترة وانتهيتي !
............................
اتفق بعدها مالك مع مدير المطعم على الحضور في العطلة اﻹسبوعية للعزف .. أما في باقي أيام الأسبوع والخاصة بعمله في الشركة كان يبذل قصاري جهده لتحقيق ذاته وإثبات كفاءته ..
وخلال تلك الفترة استطاع أن يستغل موهبته في عزف أعذب اﻷلحان وأكثرها شجنا وتأثيرا فأصبح له جمهوره الخاص .. 
.....................................
عرفت لانا أنه هو منذ رأته صبيحة اليوم التالي في الشركة ..
لم يكن وهما كان متجسدا أمامها ....
طيفه لم يفارقها للحظة هو أسرها بهالته الحزينة شيء ما به يدفعها للبقاء إلى جواره ..
ألحانه كانت إنعكاسا لما به هي واثقة من هذا ..
لم تتوقف للحظة عن التفكير فيه أصبح هو شاغلها الأكبر ..
وبدأت في التحري عنه بدقة ..
عرفت نوع وظيفته ومهامه وبدأت توليه الإهتمام دون أن يدري بهذا ..
......................................
لاحظ مالك وجودها المتكرر في الطاولة اﻷمامية خلال
حفلته الأسبوعية بالمطعم .. هي باتت معجبته الهامة بل الأهم على الإطلاق ..
دائما تطالعه بنظرات هائمة .. وهو دوما يبتسم لها بحزن ..
وكيف يشعر بها وهو جريح الفؤاد مكسور الروح ..
لقد عرف هويتها منذ اليوم التالي للقائهما ..
هي لانا ابنة رب عمله السيد سلمان ..
ولذلك حافظ على طبيعة حدود العلاقة بينهما ..
دائما ما كانت تحضر له باقة ورد بيضاء تقدمها له بعد انتهاء فقرته ..
فيشكرها بإمتنان وهي تطمع معه في المزيد ..
مرت الأيام وزاد تعلقها به رغم ثباته
 

تم نسخ الرابط